قديما قال بعض الفلاسفة 'الدين أفيون الشعوب..' فهل يجوز لنا اليوم أن نقول الكروة تعصب أعمى، وفتنة بين الشعوب ما حدث خلال الأسابيع الماضية من أحداث مزرية، ومخجلة بين شعوب عربية وصلت شرارة التعصب والغليان إلى عقول المسئولين العرب وهذا طبيعي ومنطقي لأنه من المسلمات في وطننا العربي الكئيب والمفكك طالما يستخدمون الرياضة لخدمة السياسة.. ففي إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا والعالم اشتغلت ماكينة معظم وسائل الإعلام العربية، وتحررت من القيود التي تكبلها خارج المجال الرياضي ...فالحديث عن الكرة ليس له حدود.. فقامت الدنيا ولم تقعد...واشتعلت النيران من كل المشاركين في هذه التصفيات القارية الكل يبحث عن الفوز والترشح للنهائيات وكأنهم سيخرجون هذه الشعوب من جحيمها وفقرها وتخلفها...وستحل كل أزماتنا التي طال أمدها.
لقد تموضعت كلا الجهتين واحدة لإشعال الحريق،والجهة المقابلة تصب الزيت.. وكلاهما يريد أن يقوم بمهمته على الوجه الأكمل، وبزيادة بلا نقصان.. وانشغلت كل الجماهير،العربية من المحيط إلى الخليج بمتابعة المقابلات الكروية، وغابت في هذه الزحمة كل المشاكل التي نعاني منها الأمرين.. فصارت هذه الشعوب لا حديث بينها إلا على الكرة.. فهي تأكل كرة، وتتنفس كرة.. وتنام وتستيقظ على وهم الجلد المدور لا غير .. ولا يعني الفقير منها إن بات أبناؤه يتضرعون جوعا .. فقد أشبعهم كرة إلى حد التخمة.. أومأت ألاف البشر من هذه الأمة ظلما وبهتانا.. أو انتهكت أعراضنا ودنست مقدساتنا..لا يهم.
من المضحك المبكي، أن يصل الأمر بدولتين شقيقتين إلى حد استدعاء السفراء والاحتجاج على العنف المتبادل وكأنهما قبيلتان كالأوس والخزرج .. أو فريق الملائكة سيتقابل مع فريق الشياطين....ومصير هذه الأمة المسكينة معلقا بالترشح لنهائيات كأسي إفريقيا والعالم من خسروا دخلوا جهنم وبأس المصير ....ومن كسب فجنة الخلد تنتظرهم، سيدخلونها بسلام آمنين.. حصل كل الذي حصل نتيجة عدة عوامل منها الجهل والسذاجة،والتعصب وحب الانتماء الرياضي المفرط،و غير المبرر ... لكنه في حقيقة الأمر مقنن،وبنوايا مبيتة سلفا من الذين تعودوا على استغلال مثل هذه الفرص لتغيير وجهة الشعوب المقهورة،والمكبوتة ... نحو فضاء واسع أسمه 'الكرة 'وما أدراك ما الكرة عند ساستنا ومهندسي شبكة التنويم المغناطيسي .... لتفريغ شحنة الصمت بالألم اللتين تعاني منهما الشعوب العربية إلى حد الرثاء.
ليس العيب في الجماهير الرياضية التي وجدت مجالا للصراخ...،وتعلن الرفض والقبول اللذان لا تعرفهما إلا في ملعب كرة القدم لا غير له، ولا بديلا عنه.. فخرجت عن صمتها الذي طال كثيرا وفقدت الأمل في كسر هذا الحاجز الحديدي الذي أقامه من تعلموا فنون تكميم الأفواه فأصبح الشعب أخرس وأصم.. وهي تعلم علم اليقين أنها لن تحاسب على ما تفعله خيرا أو شرا، ولن يزج بهم في السجون بعد أن ينالوا نصيبهم من عصا البوليس الغليظة التي تعودوا عليها كلما فكروا في الخروج عن هذا الصمت القاتل للاحتجاج على انعدام لقمة العيش المفقودة...أو للمطالبة بحقهم في حياة كريمة كبقية شعوب العالم الحر الذي لا تعرف شعوبه الصمت والقمع.. أو حتى للتنديد على حرب أو مصيبة لحقت بجزء من هذه الأمة من أخوتنا'في النسل والدين.. بل العيب في هؤلاء الذين عن سوء نية حولوا 'الكرة' إلى غاية وهدف سياسيين، وسخروا لها كل الإمكانيات المادية والإعلامية من أجل إدخال هذه الشعوب في نفق مظلم لا يبصرون فيه نور الساسة والسياسيين وما يفعلونه تحت جناح الظلمة الحالكة.. ومشاكل بلداننا وأهم الاستحقاقات المصيرية التي لم ولن تحلها انتصارات الكرة ولو تعددت هذه الانتصارات الرياضية رغم أهميتها وضرورتها...
وللأسف الشديد سقطت في الفخ العديد من وسائل الإعلام وأصبحت تخصص يوميا الساعات الطوال في التحاليل للمقابلة ونتيجتها، والنقاشات الساخنة والحوارات النارية بلا كلل أو ملل دون أن نسمع لها صوتا في أمهات القضايا الوطنية والقومية البالغة الأهمية ...هذا إذا كانوا يرغبون في أن تكون شعوبنا واعية بمشاكلنا وقضايانا المصيرية.
لقد وظف الساسة الرياضة ومن ورائها الإعلام الأصفر الذي لا لون له، ولا طعم ولا'حتى رائحة.. للشحن 'والتخدير الجماهيري 'من أجل تغيير أبصارهم المحدقة بقوة نحو الأوضاع الداخلية والخارجية المتردية التي تنتظر من أصحاب القرار مبادرات وحلول للهوان الذي تعيشه شعوب هذه الأمة وهم غير قادرين على أكثر من تغييب فكر الشعب والذهاب بيه نحو 'مانش كرة ' سيشغل هذه الجماهير في حالتي الربح والخسارة وستبقى نتيجته محور حديث الشارع عوضا عن مواضيع أخرى لا رغبة للسلطة في التفات إليها ولو بنصف عين... .فصارت معظم القنوات العربية مجندة بشكل يوحي وكأن بلداننا مقبلة على حرب أو كارثة 'عفانا وعفاكم الله من الكوارث' لأن لهذه الأمة من المآسي ما يكفيها وزيادة.
لقد أصبحت الرياضة وخاصة 'كرة القدم' في وطننا العربي جزء من سياسة التغييب الفكري وإستراتيجية ممنهجة من أجل تحويل اهتمامات الشعوب إلى موقع آخر لا يسمن ولا يغني من جوع... وأداة قمعية غير مباشرة تمارس على الشعب دون وعي أو إدراك منه بغاياتها وأهدافها المسمومة أما في المفاهيم الغربية ليس هناك استغلال سياسي للرياضة من أجل تمييع الشعب وترويض عقله كما لا يوجد تداخل بين الرياضة والاستحقاقات بل على العكس هي في خدمة توعية الشعب وتثقيفه رياضيا وأخلاقيا ومعرفيا لأنهم ليس لديهم ما يخفونه عن شعوبهم، ولا يتآمرون عليها من أجل تمرير عمل ما لا تقبله،ولا توافق عليه . فتجد في نفس اليوم'جماهير تشاهد مباريات كروية، وأخرى معتصمة في الشوارع والساحات تطالب بما تفتقده من ضروريات أو مطالب محقة... ولا هذه تفسد تلك...
وأحيانا أخرى يستغل الغرب التظاهرات الرياضية العالمية وانشغال شعوبنا بمتابعتها لتمرير اتفاقيات،أو أملاءات أو حتى اعتداءات عسكرية مثل ما قامت بيه إسرائيل من اعتداء همجي وحشي على الفلسطينيين خلال تصفيات كأس العالم الماضية حتى تريح حكامنا من أعباء مطالبات شعوبنا بالتدخل لوقف العدوان...وكذلك ما حصل في العراق عندما توج الفريق العراقي لكرة القدم بلقب آسيوي منحوه إياه فتزامن ذلك التتويج الوهمي بتفجيرات دموية جابت بلاد الرافدين تحصد أرواح المئات من الأبرياء وقادة المنطقة الخضراء ومن ورائهم المحتل يشيدون بالفريق العراقي وبتتويجه من أجل التضليل بأن العراق على درب التتويج والنجاحات،واحتلاله نعمة وليس نقمة رغم الدماء الزكية التي سالت حينها ولازالت تسيل يوميا في كامل عاصمة العروبة بغداد.
هناك 7 تعليقات:
كلام مضبوط . بارك الله فيك
شكر الله لك وجزاكم الله خيرا
جزيت خيرا على الحديث الصائب
والله كلام حضرتك زى الفل بس مين يسمع
والله كلام حضرتك زى الفل بس مين يسمع
اقصوصة
شكر الله لكى مرورك الكريم على مدونتى
اخونا الكريم خالد ربنا يبارك فيك شكرا جزيلا
إرسال تعليق